الليلة التي تقرر فيها إعدام ياسر عرفات
كلنا يذكر بعد حصار الرئيس ياسر عرفات ووصول الأمر الي مأزق كبير وبداية الضغوط الأمريكية والغربية لتعديل النظام السياسي الفلسطيني من خلال تقليص صلاحيات الرئيس أبو عمار وإزاحته عن رئاسة الحكومة، والطلب من المجلس التشريعي مواكبة الأمر بتعديل القوانين للسماح بتكليف السيد محمود عباس برئاسة الوزراء
تم ذلك وبدأ رئيس الوزراء الجديد بالمشاورات لتشكيل حكومته والتي أخذت جهدا كبيرا في تشكيل أسماء أعضائها لضمان حصولها علي الثقة من المجلس التشريعي ولم يكن هذا ممكنا بدون أن يعطي الرئيس عرفات الضوء الأخضر خاصة أن له تحفظات علي بعض الوزراء في مجال الأمن والمال وتحديدا العميد محمد دحلان ووزير المالية سلام فياض وهي مجالات تشكل هاجسا للرئيس عرفات، إلا أن الأمور إكتملت بتقديم الأسماء للرئيس بعد شد وجذب وتدخل ضغوط عربية وأجنبية.
وبعد طلب الرئيس عرفات إجتماعا لكتلة فتح ومناصريها في المجلس التشريعي للتشاور قبل جلسة منح الثقة، وكانت ليلة طويلة وصاخبة من النقاش المطول، وكان الرئيس عرفات طول الوقت مصغيا بلا أي تعليق علي المداخلات التي كانت في معظمها ضد الوزارة ولكل أسبابه (وثق الأخ عماد الفالوجي ذلك في كتابه من قلب السلطة حيث كان مواظبا كعضو ووزير علي تسجيل كل ما يدور من نقاش وكان وقتها رئيس لجنة الرقابة بالتشريعي) وإستمرت الجلسة من السادسة مساء حتي الواحدة بعد منتصف الليل وهي التوقيتات التي كان يتجلي فيها أبو عمار بعد أن يكون الجميع قد نضجوا علي ناره الهادئة وكنت آخر المتحدثين فخاطبت الرئيس أبو مازن ناصحا إياه بقولي بعد كل ما سمعت ستولد وزارتك ميتة وأنصحك بالإنسحاب وترك الأمر، وهنا تناول الرئيس عرفات الميكرفون وقال غدا يا إخوان نجحوا وزارة أخوكم أبو مازن علي الحفة وكان يقصد بالحد الأدني وتم التصويت في اليوم التالي بمنح الثقة بأربعة وخمسين صوتا.
وبورك لأبو مازن بالمنصب الصعب ووعد بعد نجاحه تقديم تقرير خلال مائة يوم عن إنجازات حكومته، وخلال تلك المدة جرت مياه كثيرة تحت الجسور ليس هنا مجال ذكرها.
بعد مضي المائة يوم قامت لجنة الرقابة بالتشريعي بالطلب من رئيس الوزراء أبو مازن أن يفي بوعده ويتقدم للمجلس التشريعي بتقريره، ولم يكن أبو مازن راضيا عن قصر المدة لعدم وجود تحول جذري في عمل الحكومة خاصة أن الحكومات السابقة أمضت سنوات طويلة دون محاسبة أو مساءلة ولكن كونه شكل حكومته علي أساس الإصلاح والتقويم ومحاربة الفساد فكان ملزما بتقديم تقريره الموعود ولو علي مضض لمعرفته أن الرئيس عرفات سيدخل علي الخط في لحظة ما بطريقة ما.
وبعد أن تحدد تاريخ الجلسة حضر الرئيس أبو مازن للمجلس وبرفقته بعض وزرائه وفجأة كانت هناك مظاهرة تهتف ضد أبو مازن ووزارته وقام بعضهم برمي الحجارة مما كدر الجو وتلا رئيس الوزارة أبو مازن تقريره وسط شد عصبي، ورفعت الجلسة علي أن تنعقد في اليوم التالي لمناقشة التقرير.
وكان واضحا أن ما حصل صباحا ألقي بظلاله علي الوضع برمته وجرت إتصالات محمومة لتطويق ما جري وجس النبض والبحث عن مخرج إلا أن الصورة كانت واضحة بأن المجلس التشريعي قد قرر أن يطيح بوزارة أبو مازن ولكل أسبابه وأهدافه.
أثناء ذلك كان أبو عمار في عرينه كالنحلة لا يكل ولا يمل من المتابعة بالاتصالات والمقابلات يحسب الأمر ويقلب في كل الأوجه حول ما سيجري في الغد، ولم أره ذلك النهار حتي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل حين علمت أنه يبحث عني ولم يجدني حتي أخبره اللواء جبريل الرجوب بمكاني فأرسل سيارة لاحضاري ولحظة دخولي نهض وأشار لي أن نقف علي نافذة المكتب بعيدا عن تلفوناته ومكتبه، وسألني سؤالاً محدداً ماذا بخصوص جلسة الغد؟ فقلت له لن يكون هناك جلسة لأن المجلس التشريعي حسم أمره بحجب الثقة عن الحكومة، وأضفت ان أبو مازن يعلم ذلك ولن يخاطر بالذهاب للمجلس كما أن هناك إشاعات تقول إنه سيقدم إستقالته لك، فقال دعك من ذلك كم عضو سيصوت ضد الحكومة فقلت حوالي خمسة وأربعين وهنا أخرج من جيبه كشفا بأسماء أعضاء المجلس وعليه علامات مختلفة تشير إلي من مع حجب الثقة ومن مع الوزارة وبدأ باستعراض أسماء من يعتقد إنهم سيصوتون ضد الحكومة وتوقف عند إسم الأخ أحمد الديك (سفيرنا الجديد في اليمن) وقام بشطبه قائلا هذا لن يصوت بحجب الثقة ليصبح لديه كشف بأربعة وأربعين إسما وكان ذلك كافيا لحسم الأمر.
وما ان جاء الصباح حتي قام رئيس الوزراء أبو مازن بتقديم إســـــتقالته كما توقعـــــنا تفاديا لسقوط الحكومة في المجلـــــس التشريعي، وقامت القيامة وإستشاط الرئيس الأمريكي غضبا علي أبو عمار وأعتقد جازما أن ليلتها أعطي الرئيس جورج بوش الضوء الأخضر لشارون بالتخلص من ياسر عرفات بقتله وكان المرحوم الرئيــس الشهيد ياسر عرفات شاعرا بذلك واشار أحيانا الي الخطر الذي يهدد حياته وهذا ما تم بعد ذلك، وللأسف وحتي هذه اللحظة لم يحظ ملف الإغتيال بالإهتمام الواجب، ويسأل الدكتور أشرف الكردي عن شهادته.
ويبقي السؤال هل إرتاح من أرادو موته بموته؟ بالقطع لا.
تحياتي
نائل